الرئيسية
image
ــ كنا نستغل عربة (أمجاد) متجهين نحو الخرطوم بحري وبدأ الركاب يتجاذبون أطراف الحديث حول أمورهم الحياتية – وكعادة السودانيين والأمور السياسية فهناك ما بين مريد لسياسات الحكومة وآخرون معارضون ودار لغط كثير حول هذا الأمر وكان الحديث لا يخلو من جدل بيزنطي وهنا التقط قفاز الحديث سائق الأمجاد الذي على ما يبدو كان في منتصف الخمسينات ويبدو أنه
(أفندي قديم) قائلاً (يا أخونا عيبو لي الإنقاذ دي.. الخضار جابتة ليكم بالبكاسي والكارو لبيوتكم الفواكه بالدرداقات لغاية البيت..اللبن، الرغيف، ثم صمت برهة وواصل قائلاً حتى الأجر جابتو ليكم في البيت. وسأله الركاب بدهشة (أ هدي كيف يعني) فرد بسرعة (الشحادين والمتسولين بيجو لغاية البيت بدلاً أن تذهبوا إليهم جوار المساجد) فضج الجميع بالضحك وكان واضحاً أن الرجل يتهكم ويسخر ولكنه نسى أو تناسى أن هذه حقيقة وهذا يحسب للإنقاذ لا عليها.
أذكر في بداية ثمانينات القرن الماضي ونحن أطفال بالخرطوم أن في فرن عم متولي يقوم أبناؤه بتوزيع الخبز على بيوت الحي كل صباح بطاولات توضع في صندوق أمام الدراجة وكان هناك رجل لا أنسى هيئته أبداً يبيع اللحمة والكمونية وهو يتجول في الحي سائحاً (كمونية) بصوت جميل وهو يلحنها ويداعب الأطفال وإن أنسى لا أنسى بائع الفواكه ذلك الرجل النحيل وهو يحمل طبق على رأسه وهو يصيح (جوافة) والصبية من خلفه يرددون (أمك الخوافا) فيضع طبقه أرضاً بحماقة وهو يجري خلفهم هائجاً (أنا أمي الخواف يا أولاد....) وعندما يرجع إلى طبقه يد أن فاكهته قد تناقصت بفعل صبية آخرين ويحدث هذا المشهد يومياً ولا يتعظ الرجل يا له من أحمق.
ولكن مع نهائيات ثمانينات نفس القرن اختفت هذه الظواهر الجميلة والمريحة وأصبحت أسرنا توقظنا مع أذان الفجر والدنيا ما زال يلتحفها الظلام للذهاب إلى المخابز حيث الصفوف والازدحام وكان يمتلكنا الخوف ونحن ذهاب من الكلاب ومن مصير مجهول ونرجع لنستعد للذهاب إلى مدارسنا وقد يصيبك عقاب معلمك لأنك تأخرت للحضور للمدرسة بسبب التأخر في المخبز واختفت كذلك ظاهرة (اللبانة) صباحاً وأصبحنا نشتري اللبن مساء من الدكان (وفيها تلقى أو ما تلقى) وذهبت (الكمونية واللحمة) مع أدراج الرياح وكذلك الجوافة وأمك الخوافا.
وحلت المعاناة مكان الدعة والراحة صفوف الرغيف صفوف البنزين السكر بكرت التموين حتى السجاير أصبح بكرت من التموين والسوق الأسود بدلاً للسوق الأبيض وأتت الإنقاذ وبتمرحل خطوة خطوة أصبحت هذه الأشياء في الأحياء وفي متناول اليد.
الآن والإنقاذ بلغ عمرها عشرين عاماً حاكموها بصدق ونزاهة وجيدة إن أحسنت قولوا لها أحسنت وإن أخفقت في بعض الجوانب قولوا لها فهي سنة الحياة النجاح والإخفاق.
ــ كنا نستغل عربة (أمجاد) متجهين نحو الخرطوم بحري وبدأ الركاب يتجاذبون أطراف الحديث حول أمورهم الحياتية – وكعادة السودانيين والأمور السياسية فهناك ما بين مريد لسياسات الحكومة وآخرون معارضون ودار لغط كثير حول هذا الأمر وكان الحديث لا يخلو من جدل بيزنطي وهنا التقط قفاز الحديث سائق الأمجاد الذي على ما يبدو كان في منتصف الخمسينات ويبدو أنه
(أفندي قديم) قائلاً (يا أخونا عيبو لي الإنقاذ دي.. الخضار جابتة ليكم بالبكاسي والكارو لبيوتكم الفواكه بالدرداقات لغاية البيت..اللبن، الرغيف، ثم صمت برهة وواصل قائلاً حتى الأجر جابتو ليكم في البيت. وسأله الركاب بدهشة (أ هدي كيف يعني) فرد بسرعة (الشحادين والمتسولين بيجو لغاية البيت بدلاً أن تذهبوا إليهم جوار المساجد) فضج الجميع بالضحك وكان واضحاً أن الرجل يتهكم ويسخر ولكنه نسى أو تناسى أن هذه حقيقة وهذا يحسب للإنقاذ لا عليها.
أذكر في بداية ثمانينات القرن الماضي ونحن أطفال بالخرطوم أن في فرن عم متولي يقوم أبناؤه بتوزيع الخبز على بيوت الحي كل صباح بطاولات توضع في صندوق أمام الدراجة وكان هناك رجل لا أنسى هيئته أبداً يبيع اللحمة والكمونية وهو يتجول في الحي سائحاً (كمونية) بصوت جميل وهو يلحنها ويداعب الأطفال وإن أنسى لا أنسى بائع الفواكه ذلك الرجل النحيل وهو يحمل طبق على رأسه وهو يصيح (جوافة) والصبية من خلفه يرددون (أمك الخوافا) فيضع طبقه أرضاً بحماقة وهو يجري خلفهم هائجاً (أنا أمي الخواف يا أولاد....) وعندما يرجع إلى طبقه يد أن فاكهته قد تناقصت بفعل صبية آخرين ويحدث هذا المشهد يومياً ولا يتعظ الرجل يا له من أحمق.
ولكن مع نهائيات ثمانينات نفس القرن اختفت هذه الظواهر الجميلة والمريحة وأصبحت أسرنا توقظنا مع أذان الفجر والدنيا ما زال يلتحفها الظلام للذهاب إلى المخابز حيث الصفوف والازدحام وكان يمتلكنا الخوف ونحن ذهاب من الكلاب ومن مصير مجهول ونرجع لنستعد للذهاب إلى مدارسنا وقد يصيبك عقاب معلمك لأنك تأخرت للحضور للمدرسة بسبب التأخر في المخبز واختفت كذلك ظاهرة (اللبانة) صباحاً وأصبحنا نشتري اللبن مساء من الدكان (وفيها تلقى أو ما تلقى) وذهبت (الكمونية واللحمة) مع أدراج الرياح وكذلك الجوافة وأمك الخوافا.
وحلت المعاناة مكان الدعة والراحة صفوف الرغيف صفوف البنزين السكر بكرت التموين حتى السجاير أصبح بكرت من التموين والسوق الأسود بدلاً للسوق الأبيض وأتت الإنقاذ وبتمرحل خطوة خطوة أصبحت هذه الأشياء في الأحياء وفي متناول اليد.
الآن والإنقاذ بلغ عمرها عشرين عاماً حاكموها بصدق ونزاهة وجيدة إن أحسنت قولوا لها أحسنت وإن أخفقت في بعض الجوانب قولوا لها فهي سنة الحياة النجاح والإخفاق.
عدل سابقا من قبل العدلانابي في الثلاثاء يونيو 30, 2009 5:24 pm عدل 1 مرات (السبب : تكبير حجم الخط)
